يحدث، خلال السنوات الأخيرة، تحوّل اقتصادي جوهري في المجتمع الفلسطيني في إسرائيل. يعود هذا إلى أسباب عديدة ومختلفة: ارتفاع المستوى التعليمي، السعي إلى تحسين مستوى المعيشة، دخول النساء إلى سوق العمل وتنامي الطبقة الوسطى. وتضاف إلى هذا، أيضا، التغيرات التي تحصل في الاقتصاد الإسرائيلي وفي الاقتصاد العالمي، إلى جانب الخطط الحكومية المخصصة للمجتمع العربي ورصد الميزانيات للتشغيل وللتطوير الاقتصادي ولتشجيع التعليم العالي ـ وهي الخطط المشتقة، أساساً، من توصيات منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي (OECD). فقد وجدت هذه المنظمة أن الجمهور العربي، مثل الجمهور الحريدي، لا يحقق قدرته الكامنة في هذه المجالات، مما ينعكس في إعاقة النمو الاقتصادي العام، للدولة كلها.
هذه السيرورات ليست اقتصادية فحسب. ثمة لها إسقاطات اجتماعية وسياسية واسعة النطاق، سواء على الصعيد الداخلي في المجتمع العربي نفسه، أو على صعيد علاقاته مع الدولة ومع المجتمع اليهودي. ذلك أن التغيرات ليست أحادية الاتجاه وتنطوي على تناقضات داخلية، أيضا.
هل بوسع الاندماج التشغيلي والاقتصادي أن يقود، حقاً وبالضرورة، إلى تحسين مكانة المواطنين العرب في إسرائيل وإلى تعميق شعورهم بالانتماء؟ هل يقرّب هذا الاندماج بين الطرفين أم يؤدي، بالذات، إلى تعزيز الوعي القومي المنفرد والمستقل وإلى مخاوف متبادلة من نوع جديد؟ كيف يؤثر خروج النساء المتزايد إلى الأكاديميا وإلى سوق العمل على البنى الاجتماعية التقليدية؟ وما هي محرّكات النمو الأخرى، الإضافية، التي ينبغي تفعيلها بغية القضاء على الفقر ورفع وتائر النمو والازدهار الاقتصادي في هذا المجتمع؟
هذه بعض الأسئلة التي يعالجها هذا العدد. تحاول المقالات المنشورة في هذا العدد مناقشة الرسائل المتضاربة، ظاهرياً، التي تبثها السياسة الحكومية الرسمية تجاه المواطنين العرب، والتي تمنح باليد الأولى ميزانيات كبيرة وغير مسبوقة من أجل تطوير البنى التحتية والتشغيل والتعليم العالي بينهم، من جهة أولى، بينما تقود باليد الثانية حملة تحريض ضدهم وتبادر إلى تشريعات قانونية مسيئة تعيق إمكانيات تحقيق هذه الأهداف، من جهة ثانية.
تعالج المقالات في هذا العدد هذه الأسئلة وغيرها، في تشكيلة واسعة من المواضيع المتصلة بها ترمي إلى تشجيع النقاش والبحث في القضايا المطروحة من خلالها. محرّكات النمو المقترحة تشمل، من ضمن ما تشمل، تشجيع المصالح التجارية الصغيرة، توسيع تشغيل النساء، زيادة انخراط العرب في مجال الهايتك، زيادة استخدام الانترنت، تطوير طاقة شمسية في البلدات العربية، إنشاء بنى تحتية للسياحة وغيرها.
في هذا العدد، نودع بتقدير عميق زميلنا د. يوني مندل، من مؤسسي “منبر” وعضو هيئة التحرير منذ اليوم الأول للمجلة. يواصل يوني مشواره الأكاديمي كعضو في السلك الأكاديمي في جامعة بن غوريون في النقب ونحن نتمنى له النجاح التام. وفي المقابل، نرحب بحرارة بانضمام د. أساف دافيد، الذي سيحل محل مندل ويبدأ بمزاولة مهمته في ذروة العمل على إصدار هذا العدد، إذ انخرط فيه بصورة طبيعية وبمهنية تضمن جودة المجلة ومستواها في المستقبل أيضا.
نتمنى لكم قراءة نافعة وممتعة وننتظر ردودكم، كما دائما، بسرور.
د. سارة أوستسكي ـ لزار ـ محرِّرة
حنان سعدي، د. يوني مندل ود. أساف دافيد ـ أعضاء هيئة التحرير