… إنَّ كل إنسان يحتاج إلى لغة تحدِّد هويته […] [إذ] كل فرد منّا بحاجة لهذا الرباط القوي والمطمئن الذي يحدِّد هويته. لا يوجد ما هو أخطر من السعي إلى قطع الحبل السرِّي الذي يربط الإنسان بلغته. عندما ينقطع أو يضطرب بشدّة ينعكس ذلك بشكل مدمِّر على مجمل الشخصية […] من الضروري أن يتوطّد بوضوح ودون أدنى لبس وأن يُراقَب دون كلل حق كلّ إنسان في الاحتفاظ باللغة التي تحدِّد هويته واستخدامها بحرية. وتبدو لي هذه الحرية أكثر أهمية أيضًا من حرية المعتقد.
أمين معلوف، الهويات القاتلة[1]
لقد تحدّدت مكانة اللغة العربية في اسرائيل بوصفها لغة رسمية في البلاد بموجب المادة 82 من دستور حكومة فلسطين لسنة 1922 إبّان الانتداب البريطاني منذ سنة 1922 وحتى سنة 1947. وقد تبنّت دولة إسرائيل هذه المادة بعد قيامها. حاليًا، في العقد السابع على قيام الدولة، يبدو أنَّ مكانة اللغة العربية مهزوزة أكثر من أي وقت مضى. لقد طُرحت في السنوات الأخيرة عدّة مشاريع قوانين كان الهدف منها إضعاف اللغة العربية أو المساس بها. هنالك من بين المشرِّعين في إسرائيل الذين يعتقدون أنَّ الاعتراف باللغة العربية كلغة رسمية إلى جانب العبرية يضعف هوية الدولة اليهودية، ولهذا فإنهم يحاولون العثور على طرق مبتكَرة لتغيير مكانة المساواة بينهما. إنَّ الإجراءات التي كانت مفهومة ضمنًا في الماضي، مثل الكتابة بالعربية على اللافتات في شارع ما في إحدى المدن، أو ترجمة الوثائق والاستمارات الرسمية إلى العربية، أو المناداة في مكبّرات الصوت في القطار وحتى التحدّث بالعربية في الكنيست، أضحت حاليًا إجراءات تتطلّب في الوقت الراهن القيام بنضالات مدنية وقانونية لتحقيق بعضها، إذ لا يُكتب النجاح لجميعها. فمن غير المعقول أنه خصوصًا عندما يودّ الناطقون بالعربية، الفلسطينيون مواطنو الدولة، الاندماج في الاقتصاد والمجتمع في إسرائيل، وعندما يتعزّز الاعتراف المحلّي والدولي بضرورة تغيير السياسات التي تنتهج التمييز ضد 20% من مواطني الدولة، وأن هذا التغيير سيعود بالنفع على المجتمع برمته، حينها بالذات يقوم بعض السياسيّين المشهورين بتهجّمهم على اللغة العربية ومطالبتهم بإضعافها ولجمها وإخفائها من الحيز العام، وبالتالي المساس بالناطقين بها.
لقد أثبتت العديد من الدراسات أنَّ هنالك علاقة وثيقة بين اللغة والهوية الذاتية والجمعية، وكذلك العلاقة القائمة بين الإلمام بلغة الأم وبين التحصيل العلمي والشخصي. إنَّ الاعتراف بالحقوق اللغوية منصوص عليه في المواثيق الدولية ويعتبر جزءًا لا يتجزأ من حقوق الإنسان. دأبت دولة إسرائيل منذ قيامها على الفصل بين جهاز التعليم العربي وجهاز التعليم العبري، وذلك من أجل السماح لمجموعة الأقلية الدراسة بلغتها، كما حافظت الدولة على الكتابة بالعربية على الأوراق النقدية، وعلى الطوابع البريدية وبصورة جزئية على اللافتات على الطرق وأسماء الشوارع، ولكنها لم تفلح في تعزيز مكانة اللغة العربية كلغة رسمية بالفعل في كافّة مناحي الحياة. يبدو في السنوات الأخيرة، في ظلّ ازدياد منسوب توجّهات التشريعات المناهضة للديمقراطية ومظاهر العنصرية في المجتمع، أن اللغة العربية أضحت مستهدفة ومعرّضة للتهجّم عليها، وقد جرت فعلاً ولا تزال عدّة محاولات لتقويض شرعيتها.
نسعى في العدد الثاني لمجلة منبر اعتماد النظرة الواسعة والمتنوّعة لمكانة وتدريس وتعليم اللغة العربية في إسرائيل وسياستها. تلقي المقالات القصيرة المنشورة بين صفحات هذا العدد، والتي كتبها خبراء في مجالاتهم، الضوء على مواضيع مثل المكانة القانونية للغة العربية في وقتنا الراهن، والقصور الحاصل في تدريسها في المدارس العربية والعبرية، والمعوّقات السياسية والأمنية التي تحول دون تطويرها، وكذلك مسألة الترجمة من العربية إلى العبرية، والعلاقة بين اللغة والهوية القومية. وبهذا فإننا نهدف إلى وضع اللغة العربية في صلب النقاش الجماهيري والعمل من أجل تغيير النظرة تجاهها.
سارة أوستسكي لزار – المحررة