معظم المصالح التجارية في الوسط العربي هي مصالح تجارية صغيرة، وهي تشكل 95,8% من مجموع المصالح التجارية التي يمتلكها عرب وتشغّل 66,7% من مجموع العاملين الذين يعملون في مصالح تجارية مستقلة[1]. تشجيع تطور المصالح التجارية الصغيرة في المجتمع العربي من شأنه أن يعود بنتائج إيجابية، سواء من خلال ارتفاع مستوى المعيشة وتوفير فرص وأماكن عمل للعاطلين عن العمل في هذا المجتمع، أو للاقتصاد الإسرائيلي برمّته، من خلال رفع مستوى النجاعة، تقليص الفجوات ودمج المواطنين العرب في الاقتصاد الإسرائيلي[2].
تواجه المصالح التجارية الصغيرة في إسرائيل معيقات عديدة. هذه المعيقات ملموسة بدرجة أكبر لدى المصالح التجارية في المجتمع العربي، لأسباب سآتي عليها فيما يلي.
المشكلة الرئيسية التي تواجهها المصالح الصغيرة هي مشكلة التمويل والاعتمادات البنكية. تنبع هذه المشكلة، بصورة أساسية، من الضمانات المشددة التي يُطلَب من صاحب المصلحة التجارية تقديمها كي يستطيع الحصول على الاعتماد البنكي. وعند الحديث عن مصلحة تجارية صغيرة، تكون فرضية الأساس أن هذه المصلحة لا تمتلك ضمانات ذات قيمة عالية يمكن أن تشكل ضماناً كافيا للمؤسسة التي تمنح الاعتماد البنكي. في المجتمع العربي، غالبا ما لا يتم حتى قبول الضمانات المتمثلة في رهن أملاك غير منقولة، وذلك على خلفية الصعوبات المتوقعة في وضع اليد على هذه الأملاك بسبب غياب التسجيل المنظم. وتنبع مشكلة الاعتمادات البنكية، أيضا، من “شبهة” التصقت بأصحاب المصالح التجارية الصغيرة ومن الاعتقاد ـ الخاطئ، بالطبع ـ بأنهم زبائن “غير جيدين” لا يسددون القروض. هذه الشبهة تصبح أكثر قوة وفاعلية حين يجري الحديث عن المواطنين العرب، الذين تعتبرهم المؤسسات المصرفية مجموعة “خطيرة” و”غير مضمونة” من الناحية المالية. وإضافة إلى هذا كله، ليس ثمة حضور كاف للبنوك والمؤسسات المالية في جميع البلدات العربية في الدولة، وهو ما يزيد من صعوبة منالية الاعتمادات البنكية ويقلص حجم العَرض المتاح أمام أصحاب المصالح التجارية.
ثمة عائق إضافي آخر يواجه المصالح التجارية الصغيرة عامة، والمصالح التجارية الصغيرة في المجتمع العربي خاصة، هو عائق المعرفة والخبرة. فأصحاب المصالح التجارية الصغيرة يمتلكون مستوى محدودا، نوعا ما، من المعرفة بالسوق الاقتصادي مستوى أقلّ من الخبرة بالسوق المحلية والعالمية. في المجتمع العربي، يُنظَر إلى أصحاب المصالح التجارية الصغيرة ـ بغير حقّ ـ وكأنهم أشخاص لا يجيدون اللغة العبرية، لا يُحسنون إدارة أمورهم قبالة المؤسسات الرسمية في الدولة، لا يعرفون حقوقهم وواجباتهم ويعملون في سوق محدودة جدا لا تتيح لهم المنالية ومعرفة السوق العام في البلاد. عائق المعرفة هذا يؤدي إلى توجه عدد قليل فقط من المصالح التجارية الصغيرة لتلقي استشارة تجارية ومساعدة من الجهات المهنية المختصة، وهو ما يزيد من صعوبة إدارة المصلحة التجارية وصعوبة تحقيق زيادة في أرباحها.
395_Machne Yehuda spices long.jpg_norm- from website
مشاكل البنى التحتية هي عائق إضافي آخر يواجه المصالح التجارية القائمة في مناطق نفوذ سلطات محلية عربية، وبضمنها النقص وتدني الصيانة في البنى التحتية الخاضعة لمسؤولية الدولة (مثل الشوارع) والبنى التحتية الخاضعة لمسؤولية السلطات المحلية (مثل المباني العامة والمؤسسات الثقافية والمصالح التجارية).
بين المجموعات الفرعية ذات المميزات الخاصة، مثل النساء العربيات، ثمة معيقات أخرى عديدة، من قبيل إيجاد وتوفير الأطر المناسبة للأولاد، النقص في المواصلات العامة للوصول إلى أماكن العمل، عائق اللغة، والآراء النمطية المسبقة بشأن عدم القدرة ونقص المهارة في الإدارة الاقتصادية والتجارية.
الإهمال المتواصل الذي تعاني منه الجماهير العربية يتجلى في التجاهل من جانب سلطات القانون، سوق المال والمؤسسات العامة غير الحكومية، في شح المساعدات المقدمة من القطاع الثالث وفي صعوبات الأداء مقابل ممثلي الجمهور المحليين[3].
أظهر بحث تجريبي حول المصالح التجارية الصغيرة في الوسط العربي أن المصالح التجارية الصغيرة في كلا المجتمعين، اليهودي والعربي، تعاني حقاً من معيقات مختلفة وعقبات متنوعة في الحياة التجارية، إلا أن وجودها أكثر بروزا في الوسط العربي. مثال صارخ على هذا هو الفجوة الكبيرة في مجال تجنيد رؤوس الأموال، باعتبارها إحدى الأدوات الأساسية الضرورية لنجاح أي مصلحة تجارية صغيرة ـ 72,5% من المصالح التجارية الصغيرة في الوسط العربي تجد صعوبة كبيرة في تجنيد رأس المال، مقابل 35% منها في الوسط اليهودي[4].
تبيّن المعطيات التي عرضها هذا البحث وجود قطيعة حقيقية بين أصحاب المصالح التجارية وبين الأجسام والمؤسسات التي تمنح الاعتمادات، مثل البنوك. كما تبيّن، من خلال البحث، أن 50% من المصالح التجارية الصغيرة اعتمدت على رأس مال ذاتي فقط عند إنشاء المصلحة التجارية، بينما استعانت 30% منها فقط بقروض بنكية[5].
وخلص بحث آخر إلى رسم صورة أكثر بؤسا حتى من تلك المذكورة آنفا، إذ بيّن أن مساهمة البنوك والمؤسسات المالية الخاصة في تمويل استمرار تطوير المصالح التجارية الصغيرة ضئيلة جدا: فقد ساهمت البنوك بالاستثمار في نحو 6% فقط من المصالح التجارية، بينما كانت حصة البنوك في تمويل غالبيتها الساحقة (81%) أقل من 50% من إجمالي الاستثمارات[6].
السببان الرئيسيان لضائقة الاعتمادات البنكية بين أصحاب المصالح التجارية من المواطنين العرب هما، إذن، رفض البنوك منح اعتمادات مالية بسبب مشكلة الضمانات التي تجعل منح الاعتمادات المالية مخاطرة كبيرة، وارتداع أصحاب المصالح التجارية الصغيرة عن طلب التمويل بسبب معيقات المعرفة، المنالية واللغة.
انعدام التسجيل الرسمي في سجل العقارات (الطابو) للأملاك غير المنقولة، التي يمتلكها مواطنون عرب، يجعل من الصعب على الجهاز المصرفي، كما ذكرنا، اعتبار تلك الأملاك ضمانات مناسبة وهذه مشكلة تدفع البنوك إلى اعتماد فرضية عامة مفادها أن منح المصالح التجارية من الوسط العربي اعتمادات مالية ينطوي على مخاطرة كبيرة.
يرفض كثيرون من المبادرين في المجتمع العربي الاستعانة بالبنوك من أجل تطوير مصالحهم التجارية، خشية المخاطر، حتى في الحالات التي يكون بإمكانهم فيها توفير ضمانات مناسبة للبنوك: وهكذا، ففي مشاريع مختلفة، مثل تجديد المصلحة التجارية وتوسيعها، يفضل هؤلاء توظيف المدخرات الشخصية والأرباح التي حققوها من المصلحة التجارية[7].
ثمة ادعاء آخر يطرحه أصحاب المصالح التجارية العرب هو أن البنوك تطلب تقديم ضمانات مبالغ فيها، مع معامل أمان كامل بالنسبة للشركات المملوكة لمواطنين عرب، مقابل طلبات أكثر مرونة بالنسبة للشركات المملوكة لمواطنين يهود[8]. كما يدعي هؤلاء، أيضا، بأنهم يتعرضون، كزبائن عرب، لتمييز سلبي في تعامل البنوك معهم ويقولون إن البنوك تمتنع حتى عن تخويل مديري فروع البنوك في البلدات العربية صلاحيات ملائمة، خلافا لما يجري في الفروع التي يشكل اليهود أغلبية زبائنها.
الصورة المرتسمة من هذه المعطيات تدل على وجود ضائقة تمويل جدية، تشكل حجر عثرة حاسماً أمام المبادرين الراغبين في إنشاء مصالح تجارية جديدة أو في توسيع نشاط تجاري قائم. وكما أسلفنا، فإن هذه المشكلة موجودة لدى كلا الجمهورين، اليهودي والعربي، غير أنها أكثر حدة بين المصالح التجارية العربية. هذا الوضع، كما هو مُبيَّن أعلاه، هو نتاج سياسة التمييز والحرمان المعتمدة ضد المواطنين العرب في إسرائيل بشكل عام.
في ضوء كل ما ورد أعلاه، يوصى بالنظر إلى اقتصاد الجماهير العربية بكونه جزءا من اقتصاد الدولة. ازدهار المصالح التجارية الصغيرة سيؤدي إلى تقليص معدلات البطالة، إلى دمج المواطنين العرب في المرافق الاقتصادية وإلى تشجيع الاستهلاك، مما سيشكل في نهاية المطاف مساهمة كبيرة في الاقتصاد الإسرائيلي عامة. وعلاوة على هذا، فإن المصالح التجارية الصغيرة تردّ الاستثمارات الحكومية بطرق مختلفة ـ من مدفوعات الضرائب المختلفة وحتى تنشئة جيل مسؤول وعصامي من الناحية الاقتصادية يساهم في تقليص الحاجة إلى المخصصات المختلفة.
من أجل حل هذه المشاكل، أو جزء منها على الأقل، ينبغي أولاً إجراء مسح مفصل حول توزيعة الاعتمادات البنكية المعروضة للمصالح التجارية الصغيرة في الوسط العربي. وبالاستناد إلى المعطيات التي يتم جمعها، سيكون بالإمكان وضع خطة تفصيلية لإصلاح القصورات وسد النواقص ولإقرار سياسة حكيمة للمدى البعيد. ينبغي لمثل هذه الخطة أن تعالج جميع النقاط الضرورية لحل المشكلة:
1) تشجيع أصحاب المصالح التجارية على تلقي الاستشارة التجارية المهنية من أجل وضع وتطوير خطط تجارية وعلى التوجه إلى المؤسسات التمويلية.
2) تقليص وتخفيف إجراءات ومعايير الضبط المركزي في مجال البنوك والاعتمادات المالية وتشجيع البنوك على منح الاعتمادات.
3) بلورة خطة تدخـّل لإزالة المعيقات، بما فيها معيقات المنالية، المعلومات واللغة. وينبغي لمثل هذه الخطة أن تشمل توظيف موارد لتسهيل منالية المعلومات للجمهور العربي في إسرائيل، بما في ذلك حقوق المواطنين العرب وواجباتهم والطرق المتاحة لإنشاء علاقات مع المؤسسات العامة، بما يخدم نشاطهم. كما ينبغي لهذه الخطة أن تشمل، أيضا، تكثيف الإعلام والشرح بشأن برامج التمويل المختلفة وجدوى المعاملات التجارية، عن طريق ـ مثلا ـ إقامة مراكز استشارة باللغة العربية في البلدات العربية المختلفة.
4) تشجيع ومساعدة الصناديق غير البنكية التي تعرض برامج تمويل ومرافَقة للمصالح التجارية الصغيرة وتنشط بين الجمهور العربي بشكل خاص (مثل صندوق كورِت).
يتعين على الدولة أن تدرك أن نجاح المصالح التجارية الصغيرة في الوسط العربي سيؤدي إلى ازدهار وتطوير الاقتصاد الإسرائيلي برمّته ورفاهية سكانها كلهم.
ترجم المقال من العبرية: سليم سلامة
[1] يعقوب شاينين، حين هرتسوغ وريمون رفيح، “دمج الوسط العربي في الاقتصاد الإسرائيلي: مميزات وعوائق”، هرتسليا: المعهد الإسرائيلي للتخطيط الاقتصادي، 2010
[2] محمود خطيب وشيمي سولومون، “مصالح تجارية صغيرة في الوسط العربي: استقصاء اختباريّ مقارِن”، القدس: معهد ميلكن، 2006.
[3] عزيز حيدر، “عقبات أمام التطوير الاقتصادي في الوسط العربي: مبادرات اقتصادية في بلدتين عربيتين ـ الطيبة وأم الفحم”، تل أبيب: المركز اليهودي ـ العربي للتطوير الاقتصادي، 1993، ص 16- 18.
[4] خطيب وسولومون (هامش رقم 2 أعلاه)، ص 23.
[5] المصدر السابق، ص 8.
[6] ميخائيل صوفر، يتسحاق شنيل، يسرائيل دروري وعاص أطرش، مبادرات وتصنيع في المجتمع العربي في إسرائيل، بيت بيرل: مركز دراسات المجتمع العربي في إسرائيل، 1995، ص 54.
[7] المصدر السابق، ص 42.
[8] ليئور غرينباوم، “رجال أعمال من الوسط العربي: البنوك ترفض منحنا اعتمادات مالية كبيرة”، غلوبس، 19/10/2003 19.10.2003.
لـَنا ورور هي محامية ناشطة في مجال الاقتصاد الجماهيري المحلي والمصالح التجارية الصغيرة، ومرشدة سابقة في عيادة الاقتصاد الجماهيري المحلي في الجامعة العبرية في القدس.