تعتبر الترجمات من الأدب العربي الزاخر، سواء الأدب الكلاسيكي أو الحديث، جزءًا لا يتجزّأ من الثقافة العبرية منذ أواخر القرن التاسع عشر وحتى الوقت الحالي، على الرغم من أنَّ هذه الترجمات غير ملحوظة ولم تتم دراستها تقريبًا. عند بداية الحركة الصهيونية، كان المترجمون البارزون، من أمثال دافيد يلين ويوئيل يوسف ريفلين، مُختصّين في اللغتين العبرية والعربية، وكانا باحثين، ومحاضرين وكذلك ناشطين صهيونيّين متحمّسين. وقد خدمت الترجمة من اللغة العربية الكلاسيكية أيديولوجيتهم، والتي ترى في القيم العربية القديمة، كالجود والشجاعة وكرم الضيافة، مثالاً وقدوة للسلوك المرغوب فيه لدى اليهودي الجديد في بلاده القديمة الجديدة.
واستخدمت لاحقًا الترجمات من الأدب الحديث وسيلة لمعرفة العرب المعاصرين وهمومهم الإنسانية والثقافية. رأى الكثير من المترجمين، بما في ذلك الباحثين، والمدرّسين، والصحفيّين، والأدباء والشعراء، في الترجمة جسرًا بين اليهود والعرب، وفي بعض الأحيان جسرًا داخليًا لأنفسهم، كما هو الحال لدى الكتّاب الشباب، ومنهم ساسون سوميخ وشمعون بلاص وسامي ميخائيل، الذين قدموا من العراق وسعوا للتوفيق بين ثقافتهم العربية في أيام طفولتهم وشبابهم وبين الحياة والإبداع بالعبرية خلال حياتهم فيما بعد.
بوقار تقبع على رفوف الكتب في مكتبات الجامعات، وكذلك في مكتبتي الخاصة، عشرات المجلدات، ومن ضمنها الروايات، والمختارات الأدبية والمجموعات، حتى تلك الخاصة بالترجمات من العربية فقط، وتلك التي تجاور الترجمات المؤلَّفات بلغة المصدر العبرية ولغات أخرى. إن كوني أعمل بنشاط في مجال ترجمة الأدب العربي إلى العبرية، وأقوم بتأهيل المترجمين وكوني باحثة أيضًا، لم أكتفِ بالعثور على الكتب وجمعها، بل كرَّست سنوات كثيرة للبحث والتحرّي بدقة عن ترجمات إضافية من العربية إلى العبرية، وقد وجدت آلاف النصوص موزّعة في منابر مختلفة تختلف عن بعضها اختلافًا بيّنًا.
تقع قصص قصيرة، وقصائد شعر، وعدد غير كبير من المسرحيات، ومقتطفات من الروايات وشذرات من النّصوص من هذه الأنواع الأدبية ضمن مجلات أدبية، والكتب والمقالات الأكاديمية بمختلف المواضيع ذات الصلة بالعربية أو الإسلام والشرق الأوسط، وكذلك ضمن مقالات منشورة في الصحف على أنواعها، المطبوعة والإلكترونية. وتزيّن اقتباسات من كتابات الشاعر اللبناني جبران خليل جبران الذي عاش في الولايات المتحدة دعوات الأعراس والاحتفالات، وكذلك ينشر المترجمون المهنيون والهواة على صفحات الإنترنت ترجمات للشعر العربي.
بإمكاننا أن نرى في مكتبات بيع الكتب ما تم إصداره بالأمس صباحًا وتتم إزاحته من على الرفّ في اليوم التالي أو في اليوم الذي يليه، أما الترجمات من العربية فلا تحظى بشكل عام بأن تكون معروضة هناك في مكان بارز نظرًا لغياب الطلب عليها والاعتراف بقيمتها المتراكمة. وهذا مردّه لكون الأدب العربي لا يزال محسوبًا على الصراع الإسرائيلي-العربي ولا يعتبر في نظر جمهور القراء الواسع مصدر اهتمام، والمتعة وحتى لتوسيع دائرة المعرفة حول المواطنين العرب في دولة إسرائيل وحول سكّان كافة الدول المجاورة لنا.
تبيّن من خلال فحص أجريته في هذه الفترة أنه خلال العامين 2012-2013 هنالك نتاج جيد نسبيًا، إذ تمت ترجمة عشرة كتب من اللغة العربية تقريبًا. وبرز من بين هذه الترجمات كتاب كلاسيكي واحد، وهو كتاب “قصص الأنبياء” الذي قامت بترجمته أبيبه شوسمان، وكذلك كتاب “كارلا بروني عشيقتي السرية”، وهو عبارة عن مجموعة قصص قصيرة من تأليف الأديب المتألّق علاء حليحل، وترجمة بروريا هوربيتس، والذي يحمل فيه بشدّة على الإسرائيليّين اليهود والعرب على حدٍّ سواء؛ ومجموعة قصص شعبية من شمال البلاد “حكاية قرية: حكايات القرى الواقعة على سفوح الجليل ومن أرجاء الوديان”، وهو، لأسفي الشديد، الجزء الأخير في المشروع الرائع لصديقي المرحوم يورام ميرون، الذي أزمع وأعدّ نفسه لتجميع وترجمة حكايات شعبية عربية من جميع أنحاء البلاد، إلاَّ أنه لم يفلح في إتمام مهمته؛ وكذلك الحضور غير الكبير لعدد من المختارات الأدبية المكتوبة بالعبرية بالأصل أو المنقولة من العربية.
تعتبر هذه الترجمات جيدة، وقد صدرت الكتب عن دور نشر مرموقة، وحازت على نقد جيد في الصحافة، كما أنه تناهى إلى أسماعي أنَّ العمل جار في هذه الأيام بهمّة ونشاط على ترجمة روايتين على الأقل وكتاب شعر، ولكنني لن أميط اللثام عن هوية هذه الكتب بناءً على طلب من دور النشر التي ستصدر عنها.
إذا كان الحال على ما يرام، فما هو الأمر الذي أعتبره سيئًا؟ بداية، ليس هناك في الوقت الراهن أي إطار أكاديمي لتأهيل مترجمين من العربية إلى العبرية. وأنا لا أتحدّث هنا عن المساقات التي تعطى هنا وهناك في الكليات والجامعات، بل أقصد التأهيل المهني الجدّي للمترجمين كتابيًا وشفويًا، للأدب والتكنولوجيا والطب، والكمبيوتر والتلفزيون وغير ذلك. لقد أُغلقت جميع أطر التدريس التي كانت متاحة في الماضي في الجامعة العبرية وكلية بيت بيرل وجامعة بار إيلان لأنَّ مجال الترجمة لا يعتبر مجالاً هامًا في إسرائيل، زد على ذلك أنَّ اللغة العربية لا تعتبر موضوعًا يحظى بالشعبية، والكثير من الناس يديرون ظهرهم لمنطقة الشرق الأوسط التي يعيشون بين ظهرانيها، يتحدثون الإنجليزية الأمريكية ولا يعون مدى أهمية معرفة اللغة التي ينطق بها خُمس سكّان الدولة من المواطنين في إسرائيل وكذلك معظم سكّان المنطقة.
ثانيًا، صحيح أنَّ الأدب العربي المترجم للعبرية تم الاعتراف به أخيرًا من قِبل القرّاء كجزء شرعي من الآداب العالمية، كما أنَّ نقّاد الأدب كفّوا عن التعبير عن الانفعال والاستغراب الكولونيالي إزاء الكتب المكتوبة بصورة جيدة والرصينة والمثيرة للاهتمام المترجمة من العربية، إلاَّ أنَّ المزاج العام في إسرائيل مشبَّع بالعنصرية الصعبة المناهضة للعرب، والتي تتجلّى في الحياة اليومية، وفي وسائل الإعلام وفي كل منظومات حياتنا، السياسية، والاقتصادية والاجتماعية، والتي تمارس التمييز ضد العرب. وحتى الأشخاص المفترض في كونهم مستنيرين يعتبرون العربية لغة صعبة ويفضّلون الاعتذار لعدم إتقانها ولا يحاولون تعلّمها، ولا يعرفون أكثر من اسم واحد أو اسمين لأديب أو شاعر عربي، وحتى حينما يكون هؤلاء الأشخاص يعملون في مجالات الأدب المختلفة.
إذًا ما هو الشيء الذي أودّ رؤيته في المستقبل القريب؟ خلال فترة شبابي في الماضي البعيد، عندما كنت صغيرة السن وساذجة، اعتقدت، مثل عدد غير قليل من زملائي، أنَّ معرفة العربية والترجمة من آدابها للغة العبرية سوف تفضي إلى تحقيق السلام والتفاهم المتبادل، ولهذا أخذت عهدًا على نفسي الانخراط في هذه المجالات وتعليم الآخرين بغية توسيع الدائرة قدر المستطاع. أعرف الآن أن السلام سوف يحل عندما يكون لإسرائيل قادة حكماء وشجعان. وكحل وسط وكخطوة مؤقتة كنت أرغب في أن أرى كل أعضاء الكنيست والحكومة يقرءون كتابًا عربيًا واحدًا مترجمًا في السنة، هذا ليس بالشيء الكثير، لكنه بالتأكيد أكثر مما يقوم معظمهم به، حتى يفهموا، أخيرًا، أين نعيش جميعنا.
عملت الدكتورة حانه عميت- كوخابي في تعليم اللغة العربية وتأهيل المترجمين من العربية للعبرية. وحصلت على جائزة تشارنيحوبسكي للعام 2010 على ترجمتها لمقتطفات من حكايات ألف ليلة وليلة والتي صدرت في مجلدين بعنوان “ليالي العرب”.