مضى أسبوع على الانتخابات ولا زال صوت نبيلة مبحوحًا. تنقّلت لنحو شهرين من مكان إلى آخر في جميع أنحاء البلاد واجتمعت بآلاف الأشخاص في مكاتب الحزب المختلفة، وفي إطار الحلقات البيتية، والكليات، والمؤتمرات الأكاديمية والمهرجانات الجماهيرية العامة.
– هل توقّعوا منك اقتصار كلامك على قضايا خاصة بالنساء فقط؟
أنا دائمة الكلام بالشئون السياسية العامة، حين اجتمع مع مجموعات نساء أتكلم في قضايا سياسية. إنني اعتمد على رؤية شاملة في تناول جميع مناحي حياتنا في هذه البلاد. وكذلك حين أتعامل مع قضايا خاصة بالنساء أو بالتربية والتعليم، إذ إن جميع هذه الأمور تستند إلى اعتقاد بحقوق الإنسان ومفاهيمي الشخصية حول طبيعة المجتمع والدولة التي أسعى إلى أن أعيش فيهما.
– هل ركّزت في الحملة الانتخابية الأخيرة على القضايا الاجتماعية المحلية وابتعدت عن الموضوع الفلسطيني؟
إذا توجّهت بالسؤال إلى الناس حول الأمور التي تقلقهم، فسيحتل الوضعان الاجتماعي والاقتصادي أعلى المراتب. ولكن وظيفتنا كسياسيّين هو تسييس القضايا الاجتماعية وربطها بالاحتلال وانعدام السَّلام والسياسة الليبرالية الجديدة المعتمدة التي تدِّب الضعف في المستضعفين. كذلك القضايا التي تقلق الناس في حيواتهم اليومية، كالفقر، والبطالة، ونفقات الحياة الباهظة، جميعها متصلة برأيي بالوضع السياسي العام.
– كيف يتلقّى الجمهور هذا الربط؟ هل يلقون اللوم على السياسيّين العرب الذين يتناولون دومًا قضية فلسطين لا قضايا داخلية تتصل بالمجتمع المحلي؟
سمعت مثل هذه الادعاءات. ينبع بعضها من نظرة سطحية للأمور وانعدام التسييس. لا يمكن لنا التحدث عن أمر واحد وتجاهل أمورًا أخرى. برأيي فإن الأمرين مرتبطان، وعلى هذا النحو نظرت إلى وظيفتي في هذه الحملة. حين تتحدثين مع الناس على قدم المساواة فإنهم يفهمون هذا الأمر. بغية معالجة مشكلة معينة يجب فهم مصادرها. لا يمكن التحدث عن العدالة الاجتماعية من دون تناول القضية الفلسطينية. رأينا ماذا حلَّ بحزب العمل الذي حاول تجاهل القضايا السياسية. إنَّ تناول قضايانا بصورة سطحية يدفع بالناس إلى البحث عن أي نجم صاعد في كلّ مرّة من جديد. بنظري، فإنَّ هذا ثمرة لغياب الخطاب السياسي الجدّي. يقترع الجمهور من دون النَّظر في الخطاب السياسي للأحزاب.
– ماذا كان جوابك للأشخاص المقاطعين للتصويت بحجة أنهم لا يؤثرون؟
لم ألمس أنها ظاهرة سائدة، بل لاحظنا ارتفاع بنسبة المصوِّتين في بعض الأماكن. على سبيل المثال، ارتفعت نسبة التصويت في الناصرة من 48% إلى 57%. لا يمكن وضع جميع الممتنعين عن التصويت في سلّة واحدة. هناك فئة صغيرة لا تصوّت لأسباب مبدئية لأنهم لا يعترفون بالطابع الصهيوني للدولة. أغلب الذين يمتنعون عن التصويت يفسّرون ذلك بأنهم يفتقرون إلى القوة السياسية، ويضيفون بأنهم إنْ فعلوا ذلك فإنَّ تصويتهم لن يترك أي أثر. برأيي، فإنَّ مثل هذه الادعاءات إنما تعتبر دلالة على إفلاس الديمقراطية. إنَّ تخلّي الأشخاص عن حقّهم الأساسي في التأثير يعكس غياب الثقة بالجهاز، وعلى الدولة أن تضيف هذا الموضوع في جدول أعمالها. كذلك يفقد المواطنون اليهود الثقة بقدرتهم في التأثير بصفتهم مواطنين، وهذا يعتبر أمرًا خطيرًا يهدّد الديمقراطية أو ما بقي منها.
من جانب، يسعى اليمين الإسرائيلي إلى إقصاء السكّان العرب، ومن جانب آخر يعتمد السكّان العرب أنفسهم على أنماط سلوك سياسية تقصيهم. إنهما طرفان يغذّي كلٌّ منهما الآخر، وأحاول التصدّي إلى هذا الأمر. بنظري، يجب أن يدفعنا الخطاب السياسي اليميني تحديدًا إلى تعزيز مشاركتنا أكثر فأكثر. أريد أن يفهم الجمهور بأنَّ الجواب الملائم لليمين هو مشاركتنا في التصويت لا مقاطعته. هذا ما حاولت تفسيره في الحملة انطلاقًا من رؤية تاريخية ومعاصرة في آن معًا. نحن، بوصفنا أقلية في وطننا، بدأنا اعتماد السلوك الجماعي في يوم الأرض، فقد أنشأنا مؤسّسات وذهبت نسبة عالية إلى صناديق الاقتراع. إنَّ هذا السلوك هو الذي أفضى إلى إقامة جسم مانع في حكومة رابين ودفع عملية السَّلام مع الفلسطينيّين قدمًا. تعتبر تلك الفترة ذروة المشاركة السياسية. ومنذ ذلك الحين، نشأ خطاب “اتخاذ القرار داخل الأغلبية اليهودية”، والذي سعى تحديدًا إلى إقصائنا من المشاركة السياسية، الأمر الذي أفضى بدوره إلى تدهور مشاركتنا. نلاحظ بعد سنة 1996 ارتفاعًا بنسب التصويت نتيجة للإحساس بأننا فعلاً نؤثّر وأننا جزءًا من القوة السياسية. أما في أعقاب هبّة أكتوبر 2000 فإننا نلاحظ تراجعًا بالغًا في نسب التصويت نتيجة الضربة القاسية التي تلقيناها من براك الذي منحه غالبية العرب ثقتهم. وعليه، فإن السلوك السياسي الحالي يعتبر جزءًا من سيرورة طويلة ولم ينشأ حاليًا. حاولت أن أُظهر للجمهور أهمية استمرارنا بالمشاركة في الانتخابات والتصويت، وبأن من يمتنع عن ذلك فإنه عمليًا يدعم الطرف الآخر. لقد تركت محاولاتي هذه أثرًا إيجابيًا في بعض الأماكن.
– تجلس الجبهة الديمقراطية دومًا على مقاعد المعارضة. ما هو دور أحزاب المعارضة في الكنيست برأيك؟
سنستمر نحن في الجبهة في محاولاتنا للتصدّي للخطوات اليمينية في الكنيست. لنا دور في الحفاظ على الديمقراطية، والتصدّي للتشريعات العنصرية، والربط فيما بين الأمور المختلفة، وتشكيل الائتلافات في مجالات معينة يمكن الوصول بشأنها إلى اتفاق. لا أحمل وهمًا بشأن وجود معارضة واضحة المعالم تجتمع فيها جميع أحزاب المعارضة، ولكن يتعيّن البحث عن نقاط مشتركة والتعاون لصدّ اليمين والعنصرية والتطوّرات الفاشية في الكنيست والمجتمع.
– هل ستنجحون في تشكيل معارضة اجتماعية مع ميرتس وحزب العمل؟
سنحاول فعل ذلك، ولكنني لست متأكدة بأنَّ الأحزاب الصهيونية اليسارية ستوافق على ذلك. إنها تعاني من الأحزاب العربية، وسيكون صعبًا عليها الدخول معها في نضالات مشتركة، كمسألة النقب مثلاً. ولكنني أتمنى أن يرقى الجميع إلى فهم أهمية الحفاظ على حقوق المواطنين المستضعفين عامة والمواطنين الفلسطينيّين خاصة. أتمنى أن تشكّل هذه المسألة مسألة نتكاتف حولها ونتعاون بشأنها.
هل تتصوّرين نفسك متحالفة مع نساء يمينيات للنضال في سبيل قضايا نسائية ونسوية مثلاً؟
سبق وقلت وأقول طيلة الوقت، لا مشكلة لدي للتحالف مع أي طرف يتقبّلني كما أنا، يتقبّل فلسطينيتي وكوني مواطنة متساوية في جميع المجالات. سوف أستمر في استحداث علاقات حول قضايا تهمني وبالتأكيد حول قضايا نسوية. ولكنني لن أقبل التحالف مع أي طرف يلغي وجودي. إذا ألغت الأحزاب اليمينية وجودي لا أتصوّر أن هنالك أي فرصة للعمل سوية.
ما هي تقديراتك؟ هل ستقدم هذه الحكومة على دفع المفاوضات مع الفلسطينيّين؟
كما أتصوّر سوف يستمر بيبي نتنياهو في عملية تطويل أمد المفاوضات مرة تلو الأخرى. إنَّ التحالف مع ليبرمان بحدّ ذاته يعتبر عثرة أمام السَّلام، ولكنني آمل أن القوى الجديدة التي ستنضم إلى التحالف (لا زلنا لا نعرف تركيبته) ستضغط باتجاه العودة إلى المفاوضات لتحقيق إقامة دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل. لست متأكدة أنَّ ذلك سوف يحصل فعلاً.
– ألا تشعرين بأنه تمّ التمييز ضدّك بصفتك مرأة؟ ألم يكن الأجدر أن تكوني من بين الأربع الأوائل في القائمة؟
لا، لا أشعر بأي تمييز. حاولنا فعلاً أن نضمن مقعدًا محترمًا للنساء في قائمة الانتخابات ولكنني اخترت أن أترشّح للمقعد الخامس في القائمة. أرى نجاحًا في أن الحزب أقدم على خطوة تأمين مقعد للنساء في الكنيست الـ19، وأنا مسرورة أن أكون المرأة التي ستشغل هذا المقعد. سيتعيّن على المرشحين الأوليّيْن في القائمة تقديم استقالتهما من الكنيست بعد سنتين وإخلاء مقعديهما. وحاليًا أنا نشيطة كجزء من الجبهة، ولدي الكثير لأتعلّمه بعد من زملائي الذي يعملون في الكنيست. آمل أن أدخل إلى الكنيست وأنا جاهزة للعمل الفوري.
بعد مضي أيام على الانتخابات، عادت نبيلة اسبنيولي إلى عملها الكامل في مركز الطفولة، الذي أنشأته في العام 1989 في الناصرة، والذي يعمل في مجالات الطفولة المبكّرة، وتمكين النساء والعمل الاجتماعي الواسع. إذا التزمت قيادات الجبهة بقراراتها سوف نراها في الكنيست بعد سنتين نشيطة ومفعمة بالطاقة كما عهدناها دائمًا.