يتبلور في الأدبيات البحثية والمجتمع المدني، خلال السنوات الأخيرة، توجُّه “السلام القائم على الشراكة” باعتباره الأنموذج المفضل لتسوية الصراع الإسرائيلي ـ الفلسطيني، أو بمعنى أدق، للمصالحة الصهيونية ـ الفلسطينية. يتعارض هذا الأنموذج مع المفهوم السائد للسلام والذي يقوم على التقسيم إلى دولتين وينطوي على التطلع نحو الفصل العِرقي ـ الديمغرافي والمكاني بين اليهود الإسرائيليين والعرب الفلسطينيين. إنه المفهوم المتجسد في المقولة المعروفة: “نحن هنا وهُم هناك”. في المقابل، يختلف أنموذج السلام القائم على الشراكة، الذي نروّج له هنا، اختلافاً جوهرياً، عن فكرة الدولة الواحدة، العلمانية أو المدنية، بين البحر والنهر ـ الفكرة التي تستند إلى إطار سياسي يوفر حقوقاً فردية متساوية وفوق قومية مدنية فقط.
بالمقارنة مع حل الدولة العلمانية الواحدة، يقرّ النموذج الجديد بوجود مجموعتين قوميتين ـ اليهودية الإسرائيلية والعربية الفلسطينية ـ كحقيقة سياسية وثقافية من غير المتوقع أن تتبدّل في المستقبل المنظور. وبالمقارنة مع حل الدولتين الكلاسيكي، يفترض الأنموذج الجديد أنه ليس من الممكن، ولا من المناسب أيضاً، السعي إلى القضاء على التمازج الديمغرافي القائم فعلياً في معظم مناطق البلاد والذي سيبقى قائماً حتى بعد تقسيمها إلى دولتين. كما أنه لا يتجاهل ولا ينكر الانتماء الثقافي، الديني والقومي لكلا الشعبين إلى كامل المساحة الممتدة ما بين البحر والنهر ولا يحاول إخفاءه. في المقابل، يدرك التوجه الجديد الحاجة إلى كبح الاستيلاء الاستعماري اليهودي بين البحر والمياه والحاجة إلى تغيير المؤسسات والقوانين التي تكرّس الفوقية اليهودية على امتداد المساحة كلّها.
بناءً على هذه الفرضيات، وبالنظر إلى حق الشعبين المتساوي في تقرير المصير، نحن نقترح أن يرتكز المخطط الممكن والمناسب للسلام على شراكة سياسية متساوية بينهما. حق كلا الشعبين في تقرير المصير ضمن كيان دولتيّ منفصل ومُعتَرَف به في القانون الدولي. وعليه، يمكن للشراكة السياسية بينهما أن تتحقق من خلال إنشاء كونفدرالية إسرائيلية ـ فلسطينية على نسق الاتحاد الإسرائيلي ـ الفلسطيني الذي تم تبينّه في قرار الأمم المتحدة رقم 181 من العام 1947؛ أو، بدلاً من ذلك، في إطار دولية ثنائية القومية على غرار الديمقراطية التوافقية أو الدولة الفيدرالية.
هذا الأنموذج لتسوية العلاقات بين الشعبين، ارتكازاً على الشراكة، ليس فقط أنه مُغاير للأنماط المقبولة والمعتمَدة التي يجري تخيّل السلام الإسرائيلي ـ الفلسطيني وفقها وبناء عليها، وإنما هو يشكل أيضاً تحدياً للنمط الشائع المتمثل في الدولة القومية الديمقراطية المستندة إلى حكم الأغلبية ويوفر حماية دستورية لحقوق الإنسان. التوجه الرائد اليوم في مجال تسوية الصراعات الجماعية يرى في الشراكة في الحكم وفي تقاسم السلطة إطاراً للنظام أكثر ملاءمة للمناطق التي تتميز بصراعات جماعية من النموذج الديمقراطي المقبول. وفقاً ذلك، قد يتجسد أنموذج السلام القائم على الشراكة في تقاسم السلطة في داخل الدولة وخارجها كإطار ملائم لتسوية الصراع. ونشدد هنا على أن ليس في هذا أي إلغاء لإطار الدولة في حد ذاته، وإنما فهم لحقيقة أن الدولة القومية “الإثنوقراطية”، التي كانت تشكل حتى الآن إطار الحكم المحلي وتُستخدَم لتحقيق السيطرة والفوقية اليهودية، إنما تساهم، بطبيعتها، في إدامة الصراع وتأبيده. يتطلب هذا الفهم البحث عن نماذج أنظمة أخرى لا تتأسس على تداخل متخيَّل بين المواطَنة والإثنية والأرض (الموقع الجغرافي)، وتدعم تسوية منصفة للعلاقات بين القوميات التي من حقها تقرير المصير في الموقع الجغرافي ذاته.
ولكن، بالرغم من الاعتراف المتزايد بأفضليات التسوية السياسية القائمة على المساواة والشراكة، يبدو أن الظروف ليست متوفرة لتبنّيها في إسرائيل/ فلسطين اليوم، ناهيك عن ضمان استقرارها للمدى البعيد. وتبرز العوائق بصورة أوضح في محاولة “الانقلاب على النظام” التي تقودها حكومة إسرائيل خلال الأشهر الأخيرة، والتي تعني الهجوم على حقوق الإنسان وحقوق الأقليات عموماً، وعلى حقوق الفلسطينيين من جانبي الخط الأخضر خصوصاً.
إضافة إلى الأحداث الراهنة، وطبقاً للأدبيات المتوفرة، فإنّ عدم وجود فجوات كبيرة جداً في القوة السياسية وفي الوضع الاجتماعي ـ الاقتصادي، وجود هوية مشتركة وتاريخ من التعاون بين النُخَب تشكل، معاً، شروطاً مركزية تدعم تبني التسوية القائمة على السلام والشراكة وتسهم في استقرارها. يبدو الوضع الراهن في إسرائيل/ فلسطين بمثابة صورة طبق الأصل ـ ثمة فجوات هائلة في القوة بين اليهود الإسرائيليين والعرب الفلسطينيين. تتجسد هذه الفجوات، بين أمور أخرى، في استمرار الاستعمار والتوسع اليهودي في كل المساحة ما بين النهر والبحر؛ في الفجوات الاجتماعية والاقتصادية، وفي السيطرة اليهودية على الأجهزة الأمنية والتحكم بالحركة في داخل المنطقة وخارجها. في الوقت نفسه، تنقص هوية مشتركة ووعي مشترك، وليس هذا فحسب، بل إن ثمة قوى مركزية في إطار كلتا الهويتين السياسيتين ملتزمة بالصراع بينها وتبني نفسها منه. وإضافة إلى ذلك، ثمة نقص في التجربة التاريخية من التعاون بين النُخب السياسية، يُضاف إلى انعدام الثقة العميق بين الجمهور الواسع.
إلى الاستنتاج بأن الظروف القائمة في إسرائيل/ فلسطين لا تدعم نموذج الشراكة، تُضاف أيضاً مشكلة الخيال السياسي والسجل الثقافي المحدودين. ورغم أن أنموذج الشركة، السبيل المفضّل لتسوية الصراع، ليس جديداً، إلا أن مفاهيمنا الأساسية ـ التي نفهم الواقع ونفسره في ضوئها، وعلى أساسها يفهم لاعبون مختلفون دائرة الإمكانيات المتاحة لتغيير هذا الواقع وإصلاحه ـ تبقى محدودة، هي أيضاً. على سبيل المثال، النظر إلى الصراع بكونه نزاعاً على الأرض بين حركتين قوميتين، وهو أمر شائع في المجتمع الإسرائيلي، والنظر إلى التقسيم الإقليمي أو الفصل الديمغرافي باعتباره حلاً للصراع ـ هاتان النظرتان تحولان دون تشخيص وتحديد المشكلات الجذرية التي تكمن في أساسه. هذه المشكلات تشمل جذور الصراع في داخل الخط الأخر أيضاً، منذ فترة “النكبة” حتى اليوم؛ الحاجة إلى حل مشكلة اللاجئين؛ والفجوات الإثنوـ طبقية العميقة التي لا تزال تمثل سمة مركزية لهذا الحيز موضع النزاع. في المقابل، فإن موقف غير قليل من الفلسطينيين الذين يرون إن إنهاء الصراع مرهون بإبادة دولة إسرائيل، مادياً أو سياسياً، علاوة على جانب حركات المقاطعة الآخذة في الاتساع، تغلق أبواب وإمكانيات الحوار، بناء وتطوير التفاهمات ورفع مستوى التعاون بين المجموعتين.
مع ذلك، ورغم المصاعب التي ذُكرت أعلاه، فإننا لا نرى أي مخرج آخر من الوضع التعيس في إسرائيل/ فلسطين وحيال تبلور نظام الأبارتهايد بين البحر والنهر، سوى المصالحة المبنية على الشراكة. صحيح أن الحيز الذي علق فيه الشعبان مختلَط في جميع أجزائه ومستوياته، وأن لكل منهما علاقة تاريخية، ثقافية وسياسية، حيّة ووثيقة، بالوطن ذاته بالضبط. هذه شروط أساسية تتيح إعادة التخيل السياسي من جديد. ولهذا، نحن نرى إنه إزاء الرؤى الشمولية القطعية، من قبيل “كلها لي” أو التقسيم الصارم، آن الأوان لصياغة مستقبل يتجاوز حدود الثنائية القومية ـ الاستعمارية، مستقبل يشجع التطور الثقافي والهوياتي المتساوي والتكاملي على الصعيد المحلي، اللوائي، الدولتيّ والدوليّ. ونحن ندّعي بأنّ الخيال السياسي الشمولي، الإطلاقي والمحدود، يعيق بصورة كبيرة دفع عجلة السلام في المنطقة ويصبّ الزيت على نار غياب الثقة وانعدام الإيمان بفرص السلام والإصلاح، غياب الثقة وانعدام الإيمان اللذان يزدادان تعمقاً اتساعاً خلال السنوات الأخيرة. وفي الوقت ذاته، يحول الخيال المحدود دون الاستثمار في تحركات وإجراءات قاعدية، تأسيسية، على مستوى المجتمع، الاقتصاد، التعليم والسياسة، كان من شأنها تحسين فرص إرساء السلام. في مواجهة هذه القوى السلبية، لا يشكل الأنموذج المقترَح للشراكة في السلطة السياسية وفي مساحة الوطن الجغرافية مجرد رؤية تستشرف المستقبل فحسب، بل قاعدة انطلاق أيضاً للدفع قُدُماً بالمصالح المشتركة لدى كلا المجتمعَين في مختلف المستويات، ثم ـ بالتالي ـ قوة سياسية مُجنِّدة للتقدم نحو المصالحة.
الحاجة إلى تطوير الخيال ورفع مستوى التعبير السياسي والثقافي من أجل رؤية المصالحة القائمة على الشراكة قادتنا إلى المبادة لتشكيل مجموعة تفكير متعدد المجالات تتولى مهمة دراسة الموضوع وتقصّيه من وجهات نظر مختلفة واستناداً إلى مجالات تخصصية ومعرفية متنوعة. وضعنا لأنفسنا تحديين اثنين: الأول، بناء وتطوير منظومة تحليلية، مفاهيمية ونظرية تتناسب مع الأنموذج المقترَح هنا؛ والثاني، تطوير “نظرية تغيير” تتناسب مع أنموذج السلام القائم على الشراكة، وبضمن ذلك توسيع دائرة الإمكانيات ذات الصلة في كل ما يتعلق بالسيرورات، بصياغة السياسات، بالمبادرات، بالمشاريع وبأنواع الخطاب. هذه كلها من شأنها الإسهام في خلق الظروف الضرورية المطلوبة لإرساء ترتيبات ديمقراطية ثابتة ومستقرّة للشراكة في حُكم فلسطين/ إسرائيل على الصعيد القُطري، اللوائي والبلدي.
المقالات المنشورة في هذا العدد من مجلة منبر هي محاولة أولية لصياغة بعض التبصرات التي توصلنا إليها ضمن مجموعة التفكير. نحن مدركون لحقيقة كونها أفكاراً أولية، بعضها لا يزال خاماً. إنها تنسجم مع الهدف المتوخى من النشر الحالي ـ إطلاق سيرورة حيوية لتطوير الخطاب وتوسيع وتعميق التفكير، الخيال والتمعّن المقارِن في الموضوع.
في مقالتها “كيف ننتقل إلى شراكة سياسية في إسرائيل ـ فلسطين”، تعرض ليمور يهودا التحديات الجسيمة التي تنطوي عليها محاولات المصالحة المبنية على الشراكة في الواقع القائم. حيال هذه التحديات، تقترح يهودا النظر في ثلاثة أنواع من السيرورات الي تبدو ممكنة، حتى في الواقع السياسي الراهن، ويمكنها الإسهام في تنشئة ظروف داعمة لإرساء سلام يقوم على المساواة والشراكة.
في مقالته “هيكلة الهوية والجماعة من خلال ارتباطهما بالوضع والمكان: ملاحظات تحليلية أولية”، يقترح أمير فاخوري منظومة تحليلية ومفاهيمية لهيكلة هوية جمعية. توفر هذه المنظومة أدوات نظرية، تفسيرية وتحويلية تساعد في تحديد، فهم، شرح أو خلق خيال مشترك لجميع سكان هذه البلاد. إنه خيال قائم على الاعتماد المتبادل، بأشكاله وتجلياته المختلفة، مقروناً بالتصور الجغرافي المتشكل للوطن المشترك.
يشير أورن يفتحئيل، في مقالته “الوضع الاستعماري والمصالحة الصهيونية ـ الفلسطينية”، إلى الحاجة إلى الاعتراف بالسيرورة الاستعمارية، التي تواصل المجموعة اليهودية في إطارها الاستيلاء على الحيز الفلسطيني، باعتبارها أحد جذور الصراع. وفي رأيه، ثمة حاجة إلى رؤية لتفكيك الاستعمار تتمثل الخطوة الأولى نحو تحقيقها في تغيير الخطاب. يتحقق هذا التغيير، بالأساس، من خلال إعادة تصميم المفاهيم التي يستخدمها الباحثون، الإعلاميون، الفنانون ومصمّمو الحيز العام لتوصيف الصراع. وفي هذا الإطار، ثمة حاجة ملحة إلى تعاون ثنائي القومية لابتكار مفردات لغوية جديدة وخيال سياسي جديد هدفها استبدال الفوقية العِرقية بالمساواة والتصحيح التاريخي. هذا التصحيح ضروري في هذه الأيام بالذات التي تشهد الانقلاب على نظام الحكم وتصعيد حدة خطاب الفوقية اليهودية.
في مقالته “نحو تسوية ثابتة في فلسطين: ماذا وكيف؟”، يدعو أسعد غانم إلى إعادة ترسيم صورة النضال لإنهاء سيرورة الاحتلال الاستعماري واجتثاث حالة الأبارتهايد في فلسطين. وخلافاً للادعاء القائل إنه ليس من واجب الضحية اقتراح الحل والمخرج، يجادل غانم بأنّ للنُّخَب الفلسطينية في داخل الخط الأخضر وخارجه، بما في ذلك في الشتات الفلسطيني، دوراً مركزياً في هذه المهمة. ويرى إن مصلحة الفلسطينيين الأساسية هي في تغيير الوضع والدفع نحو بدء عملية يكون هدفها، مهما طال أمدها، التوصل إلى تسوية منصفة في فلسطين.
يعرض ميرون رابابورت، في مقالته “من الهوامش إلى النقاش العام: فكرة الكونفدرالية في الخطاب الإسرائيلي”، ما يشبه يوميات سفر شخصية وسياسية يصف فيها كيف تشكلت رؤية الكونفدرالية وكيف تستمر في التبلور. إنها رؤية تقوم على شراكة في الوطن بين الشعبين كبديل لرؤية الدولتين المنفصلتين. ويوثق رابابورت الجهود المتواصلة التي تبذلها حركة “بلاد للجميع”، بنجاح جزئي، لإدخال أفكار التعاون السياسي، حرية الحركة والتنقل والإقرار بارتباط كلا الشعبين بالوطن المشترك إلى خطاب الفصل العِرقي ـ القومي.
في مقالته “المصالحة كمطلب لتغيير في الهوية”، يعبّر أفنير دينور عن تحفظه من الرأي الشائع الذي يعتبر أن السرديات التاريخية هي شأن خاص لكل طرف وليس ثمة لأحد حق في الاستئناف على الرواية التي يرويها رفيقه أو رفيقته. وفي رأيه، أن عملية المصالحة تستوجب تغيير هويتي الطرفين بشكلين أساسيين يتحديان “قدسية السرديات”: المصالحة كاعتراف بالآخر والمصالحة كمطلب بالتغيير.
في مقالته “اذهَب وتعلّم: تأملات في إمكانية بقاء مستوطنين في دولة فلسطينية”، يرى يحزقيل لاين إن الفحص التاريخي المقارِن يبيّن أن معظم حالات المستوطنات “الملتصقة الجدار”، أي أنها ملاصقة للدولة الأم المُوَطِّنة جغرافياً، أتيحت إمكانية بقاء المستوطنين ضمن الإطار السياسي الجديد الذي نشأ في أعقاب عملية تفكيك الاستعمار. ويستعرض لاين نشوء أنماط مختلفة من التعايش بين الجماعات في حالات كوسوفو، أستونيا وناميبيا، والأسباب الرئيسية لبقاء مجموعات كبيرة من المستوطنين حتى بعد انسحاب الدولة الأم.
في مقالته “إسرائيل/ فلسطين: من الفوقية اليهودية إلى المساواة في حيز مشترك”، يفصّل ثابت أبو راس الأشكال التي أصبحت بها الجغرافيا السياسية للحيز الإسرائيلي ـ الفلسطيني مختلطة وصعبة التفكيك والحل، إلى جانب استمرار الاحتلال العسكري والاستيطان اليهودي. ويرى إن هذا الاختلاط يفرض على المجتمع الدولي، القيادة الفلسطينية والقيادة الإسرائيلية، معاً وعلى حد سواء، التخلي عن حل الفصل وتقسيم البلاد، الذي لم ينجح، ثم التفكير خارج الصندوق وتعزيز خطاب يتجه نحو كونفدرالية ثنائية القومية بين البحر والنهر.
في مقالتها “تخطيط يرتكز على الشراكة المدنية ـ الحضرية: إعادة تخطيط من جديد لحي العيساوية”، ترسم ميخال براير خطوط العمل الأولية لبناء شراكة مدنية ـ حضرية في منطقة القدس تدفع نحو تفكيك الاستعمار في ممارسة التخطيط الحضريّ. من خلال التركيز على تخطيط مناطق الحي، تنقل براير مركز الثقل في النقاش من الأبعاد السامية للمدينة إلى الاعتبارات الدنيوية، سعياً إلى إتاحة العيش الحضري المتساوي والتعبير بصورة محترمة عن المجتمعين القوميين اللذين يعيشان فيها فعلياً، جنباً إلى جنب.
في مقالته “القدس: عاصمتان وكونفدرالية حضرية”، يرى مناحيم كلاين إن نقطة الانطلاق لحل يقوم على التقسيم إلى دولتين ينبغي أن تكون نوعية نسيج الحياة الحضرية في مدينة القدس. يتمسك كلاين بنموذج الدولتين المنفصلتين، لكنه يخفف وطأته عبر التركيز على إدارة خط الحدود الحضرية المستقبلية بوصفها حدوداً “ناعمة”. ويجب على إدارة الحدود أن تتيح تدفق الحياة الحضرية، إلى جانب الاهتمام بالواقع الجغرافي والاجتماعي في كلا جانبيها.
في مقالتها “1948 وأرشيف الغد: عن الخيال الأخلاقي ـ السياسي الأدبي وحدوده”، تسلط مي ـ طال ندلر الضوء على أعمال أدبية من العقدين الأخيرين أعادت فتح قصة 1948 من جديد. وترى ندلر إن هذه الأعمال، بفعل الأرشفة الذي تقترحه، تفتح أفقاً لسيرورات عميقة يمكنها توسيع مساحة النضالات الديمقراطية وتعزيز التعاون المدني اليهودي ـ الفلسطيني.
رون دودائي، في مقالته “أبطال الجميع؟ العنف، الإنقاذ وإمكانيات مساحات الذاكرة المشتركة”، يشير إلى ما ينطوي عليه استحضار قصص إنقاذ “متقاطعة” في الحيز والخطاب العامين. إنها قصص ينقذ فيها فلسطينيون يهود في حالات الأزمة، والعكس أيضاً صحيح. ويعتبر دودائي مثل هذا الاستحضار أداة لبناء وعي أكثر نفعاً من شأنه أن يبدد الكراهية ويدعم عملية المصالحة بين الشعبين.
ألكسندرا هَرفروي ـ ميشلر، في مقالتها “عدالة ما قبل انتقالية؟ التعاون الذي ينمو من القاعدة الشعبية في إسرائيل ـ فلسطين”، تبحث في مدى أهمية العدالة الانتقالية للسياق الإسرائيلي ـ الفلسطيني. وترى إنه طالما استمر العنف وانتهاك حقوق الإنسان على نطاق واسع في إسرائيل/ فلسطين، فإن سيرورات العدالة الانتقالية المقبولة في نظريات المصالحة غير متوفرة. ومع ذلك، تشير إلى إمكانية تنفيذ سيرورات “عدالة ما قبل انتقالية” وتبين كيف يتم تطبيق هذا الإجراء خلال السنوات الأخيرة في مجموعة متنوعة من مبادرات المجتمع المدني. يوآف شيمر ـ كونتس، في مقالته “أوروبا والسلام القائم على الشراكة في إسرائيل ـ فلسطين”، يرى أنه من الممكن أن يلعب الاتحاد الأوروبي دوراً مركزياً في دفع عجلة السلام الإسرائيلي ـ الفلسطيني. حتى الآن، لا تزال السياسة الأوروبية الرسمية في كل ما يتعلق بالصراع وسبل حله تتميز بالرمزية والتصريحية بشكل أساسي ولم يكن لها سوى تأثير هامشي فقط على الواقع كما هو على الأرض. هذا الوضع قد يتغير؛ ويجدر به أن يتغير. بإمكان أوروبا، بناء على خبرتها وتجربتها، أن تعرض على القيادتين السياسيتين، الإسرائيلية والفلسطينية، طرقاً بديلة للتعامل مع الواقع الثنائي القومية ولإنهاء نظام الأبارتهايد، من خلال تبني واعتماد نماذج أوروبية ناجحة لتقاسم السلطة السياسية في مناطق مختلطة.